تشـويش .

.
.
بصورة من الصور كان هذا هو صفائها , تشويش ذهن غير متعمّد.لتنتقل من حالة الوضوح (حيث كدرها) , كان يستلزم أن يعبر شيء ما مجال رؤيتها, شيء ما سريع كطير يلقف خيط بصرها و يشيح بنظرها بعيداً , أو مباغت كقفزة قطة, شيء يشغل يقظتها بعيداً عن وجهتها, ربما كان طيرها كلمة في لافتة أو إعلان (للرخام والسراميك /أصص زرع/لدينا كتب مستعملة)أو رائحة مجهولة المصدر (كيك يخبز بالفرن,دخان سيجارة) ,أو صورة عابرة (كرة تم ركلها في الهواء,انعكاس النار على ستيل الطنجرة), ربما كان صوتاً يقفز لسمعها (لحن أغنية ينبعث من شقة الجيران, صوت سيارة مسرعة تقطع سكون الليل) , يقفز الصوت للداخل وتعبث قطته بين الأرفف, تخربش على الأوراق المرزومة( حيث تمّ تدوين كل شيء), تسقط رزمة منها على الأرض,مخلّفة صوت ارتطام مكتوم ,تتناثر أوراقها في فوضى , تعلو الفوضى ورقة عتيقة مصفرة الحواف لذكرى شاحبة, مضاءة بشمس العصر العسلية,من يوم جمعة قديـم, للذكرى رائحة البخور الممزوج بالمستكة,البصمة الخاصة بمنزل جدتها حيث تركتها أمها تنام هناك بعد سهرة الخميس الأسبوعية,هاهي قابعة هناك خلف نافذة الروشان ,طفلة بجديلتين تراقب صخب سوق الحمام الذي يقام أسبوعياً في الباحة الكبيرة, أقفاص بأحجام متفاوتة مكدّسة بصورة عشوائية , طيور من كل شكل و لون, صوص أصفر في علب كرتون مكشوفة , أصوات الطيور تتداخل مع نداءات الباعة,و تجمهر كثيف هناك حول رجل يلوّح بصقر أشقر, الذكرى القديمة تكبر و تكبر , وتحتل المشهد ,يحلّق طير ويرتفع متجاوزاً في جرأة إطار المشهد ,يتبعه طير آخر , فآخر,ثمّ تتابع بقية الطيور, هاربة بشكل جماعي من أقفاصها ,تصطفق أجنحتها المرفرفة وتغطي وجه المدى ,تحلق عالياً و بعيداً و تصبح أصغر فأصغر , تخفت الجلبة وتغيب, ولا يبقى منها سوى صدى مضخّم لرفرفة جناح بينما الريش يتهادى في ضباب من الغبار .

ليست هناك تعليقات:

 

Web Counter
Open GL Graphics