عشت لأروي



"سيرة قميص"


بُنَيَّ..
أُطمئنك , أنا الآن على ما يرام..
لولا شعور السأم الذي يغمرني بترف..
لا تقلق..
مجرد شعور طبيعي يراود من هم في سني .. ربما غير الطبيعي هو سني بحد ذاته .

لم يعد هناك ما أنتظره ..
وكل ما تبقى لي حَفْنَة أمنيات , أنفقها ببذخ في تخيّل صيغة مشرّفة لموتي ..
حسنا.. دعني أسلي خاطرك بواحدة ..
(شريطة ألاَّ تسخر)

.

.

كثيراً ما يراودني حلم نوراني تُحرق فيه جثتي بلا طقوس ويذر رمادها فوق مصنع للنسيج على أطراف قرية غافية..
هناك , حيث تحديداً أتيت من رحم نول بعرض ثمانين سنتيمتراً تغزل عليه سيدة أربعينية تنصهر حزناً على زوجها الشهيد في الحرب..
( ربما يفسر ذلك بعض نوبات الكآبة التي تجتاحني بلا سبب )

بالمناسبة , محسوبك أمضى شطر حياته راضخا لوهم أن أصوله تعود إلى رالف لورين.
(عائلة ارستقراطية مؤكد قد سمعت بها من قبل )

للأمانة لم يكن هناك ما يدحض أوهامي اِبتداءً من التيكت المثبت بإتقان على الياقة واِنتهاءً بشعور التفرد الذي يحل بي وسط أقراني..
كنت متأهباً تماماً للحصول على كافة امتيازات النسب , حتى باغتني أحدهم ذات ثرثرة بأننا صناعة محلية و أن الأمر لا يعدو عن كونه مسألة احتيال تجاري..
لا أخفيك بأن المفاجأة قصفت مخزوني من الطموح إلى النصف ..

كل ما كان يتعلق بفكرة فردوس أرضي "خزانة بإضاءة داخلية / تجفيف بالبخار / علاقات قطن " ذهب أدراج الرياح..
و بجردة بسيطة يتضح أنه لم يتبق لي سوى القليل جداً من شؤون الرفاهية كـ كمفورت و مريتو وخلافه..

في فترات لاحقة .. و تحت الضغط النفسي الهائل جَرَّاء الصدمة , أقدمت على محاولات انتحارية عديدة باءت كلها بالفشل كون الجانب التكتيكي فيها ضعيف جداً و متكئ على خيال ضحل بهذا الخصوص..

على سبيل المثال تعمدت في إحدى المرات إسقاط الأزرار الرابع المقابل لمنطقة السرة تماماً, بزعمي أن من يرتديني له كرش مدوّرة ولا يمكنه تلافي عيب شاخص هكذا , دون أن أضع في حسابي الأزرار الاحتياطي الموجود على التيكت الداخلي ..
أعي الآن أنها مجرد محاولة رديئة للتعبير عن غريزة حب الحياة, إضافة لكونها المحاولة الأكثر غباء على الإطلاق في إطار لفت الانتباه..

.

بانصرام هذه المرحلة كنت قد تجاوزت النقطة الحرجة في منحنى حياتي..
هذا إذا استثنينا بالطبع حادثة السبت الأسود ,الذي أوشكت فيه أن أحال للتقاعد في سن أبكر بكثير من المتوقع..
ونجوت بأعجوبة من أحقاد مكواة خرفه , وخرجت بوحمة لا تكاد تذكر
لست بصدد إخبار أنني من يومها بدأت أداوم مسائي ,وتم نقلي نهائيا من قسم التعليق إلى قسم التطبيق
( ما يعادل الأرشيف بلغة مكتبية ).

.
لا شك في أنني بدأت أثير حفيظتك..
يفترض بي أن أكون أكثر لباقة كونك في مقتبل حياتك المهنية ..
هيا سأشرع في استحضار تفاصيل مبهجة كي أخفف حدة حنقك تجاهي ..
اللحظات الأكثر حميمية لي كقميص كانت تأتي عبر سلة الغسيل ..
قد تخالفني الرأي وتعتبر حبل الغسيل الأفضل كما هو مشاع

(بالمناسبة أتمنى أن تقضي حياتك بعيدا عن براثن منشر غسيل داخلي كل ما يجلبه صداع مزمن , ورفقة مزعجة لمروحة تدور بصخب)

لن نختلف

لكن لدي أسبابي الوجيهة _كما أعتقد _
خذ مثلا , سلة الغسيل هي المكان الوحيد الذي يمكنك أن تجتمع فيه مع شتى الطبقات والأعراق دون أي تفريق عنصري..
أعرف هذا كوني أبيض و أتعرض في كل عملية غسيل إلى عملية فصل حازمة لا يقبل فيها لأي ملوّن الدخول إلى معسكرنا..
هذا الإجراء متبع في مرحلة النشر كذلك..

أيضا في سلة الغسيل أنت على موعد مع احتفال صاخب بعد أن تكون قد قضيت وقتاً رتيبا طوال اليوم..
ربما قد تكون قذر بشكل مزري لكن لا يهم طالما أن الجميع كذلك..
ثم أنك تكون حقيقي جدا في تلك اللحظة..
في سلة الغسيل تعرفت إلى أكثر أصدقائي وفاءً..
بنطال أسود مقلم كان يعاني عقدة نقص كونه طراز منقرض مازال على رأس العمل.. لكنه كان يملك أنصع قلب على الإطلاق ..
قميص كارو يتمتع بحكمة هائلة و يبدو بمثابة الأب الروحي للجميع..
جاكيت جينز يحظى بشعبية هائلة كونه قادر على أن يجعلنا نكركر في أشد أوقاتنا حلكة..
و بالطبع لا أنسى سيدة الحضور الأنثوي البلوزة الزهرية التي كانت تأتي دائماً مجللة بعطر باذخ كافي لأن يثير مخيلة أكثرنا بلادة ..

بالرغم من ذلك كان طابع البراءة يطغى على محافلنا بتأثير من ملائكية بيجامات لطفل رضيع ( ربما هو الآن في طور الدخول للمدرسة ).

.

أجزم أنك الآن بصدد تغيير رأيك..
بقي أن أخبرك شيئاً..
أنا الآن مجرد خرقة تقطن الدرج الأخير من مطبخ..برفقة قطع أخرى جار عليها الزمن ..
فانيلة علاقي , قطعة من إحرام , منشفة ..نزاول مهن لا تخطر لك على بال..
مع ذلك أنا مستعد تماما لأن أبصم لك كل صباح بأن الحيـاة حلـوة
وجديرة بأن تُعـاش .



( وجدت الرسالة في جيب قميص أبيض وجديد )

ليست هناك تعليقات:

 

Web Counter
Open GL Graphics