- كيف ترين المستقبل يا أديل؟


- لا أعرف
حينما كنت صغيرة
كان كل ما أريده هو أن أكبر بأسرع ما يمكن
ولكنى لا أرى فائدة من هذا
لم أعد أرى حكمة أو فائدة من الكبر فى السن
إننى أرى المستقبل كغرفة انتظار فى محطة قطار كبيرة مليئة بالمقاعد
فى الخارج، حشود من الناس تجرى بدون أن ترانى
إنهم كلهم على عجلة من أمرهم
يركبون القطارات وعربات الأجرة
فلهم مكان يذهبون إليه
أو شخصاً يلتقون به
بينما أنا جالسة هناك .. أنتظر

- ماذا تنتظرين يا أديل؟

- أنتظر حدوث شيئاً لى


من فيلم : Fille sur le pont, La
رصيدي " من أنا بخير و ما بني شي"
أفلس تماما
أنا كالراعي الذي استنفد فرصه في تمرير نداءاته الكاذبة
لا أنا
و لا الصباحات
و لا لحظة الاستيقاظ من النوم
عدنا نصدق
و المرة التي سأكون فيها حقا بخير
لن أميزها
ستؤخذ بجريرة الكذبة الماعادت تنطلي على أحد.

.


العطب طريقتي لقياس الألفة مع الأشياء
الورقات الثلاث الشاحبة,
تجعل عقد الصداقة بيني و بين نبتتي الخضراء أوثق.
بطريقته المواسية , يهمس لي العطب:
ليست الأشياء بالقوة التي تبدو عليها .

+



يقول التلف:
لست كافياً للعدم.

تقول الخطوة:
لا أشترط قدماً سليمة
عكاز يفي بالأمر.

l


النظرة التي تأخذ احتمالاتنا
النظرة التي تسافر قبلنا
و تقيس المسافة
و تقدر حجم كارثة السقوط
النظرة , البروفة
النظرة التي تكتفي بالتحديق
حتى يصير الشق هاوية
ليس الوقوف الطويل
أمر يمكن تجاوزه
.

لحظاتي الثمينة .

المعرض الثاني , على اليمين
أدخله متوجسة,
مظهري لا يتناسب مع فخامة المحل,
أمد للصائغ علبتي الصغيرة , المبطنة بالمخمل,
يخرج لحظاتي ليعاينها,
هاهو يقلبها تحت عدسته المكبرة
يقوّس حاجبيه
يصدر فرقعة من شفتيه إعجاباً,
يسأل:
-للبيع؟
-لا
-رهن؟
-لا , فقط أردت التأكد
يعيدها لي, و أخرج مسرعة
ويدور بخلده:
ربما كانت مسروقة)
لحظاتي هذه لا ضمان عليها
فقد يجري على سوق التثمين مايجري
قد تصبح خارج نطاق الطلب
قد تنخفض تسعيرتها , فلا تكفي لسد شيء
كل هذه احتمالات واردة
لكنني لا أقايضها بشيء
فقط أحتفظ بها كمعيار أصيل
أقارن بها اللحظات السيئة لأعرف مدى فداحتها
و الجيدة , لأتأكد منها
و اللحظات التي تلمع , لأعرف إن كانت ذهبا
أم سلعة مغشوشة.

مرة أخرى


كـآبتي:
يحدث الأمر هكذا
دفعة خفيفة من الخلف
و أسقط من الصورة
إلى النيقاتيف

_-_-


أتخيل كآبتي سلم كهربائي مخصص للنزول
محاولاتي لمعاكسة اتجاهه عقيمة
ولا تعني شيئا سوى المراوحة في ذات النقطة
علي أن أسلم قيادي لإرادته النازلة
حينما سأصل للقاع
سأجد آخر خصص للصعود.

..!

قالت : "شوفيلي ميّـتها ايه"
تخيلتها تأخذ المرأة
و تنقعها في جردل طوال الليل
هكذا حتى تشف و تتغضن
ثم تخرجها و تنشرها في الشمس حتى تجف
بينما ماء الجردل مليء بالشوائب التي رشحت عنها
الشوائب التي لو وضعت تحت مكبر
لكانت عوالم من النوايا.

تسلية الأيام السيئة


خلف السياج الحديدي
المحاذي للطريق الصحراوية
نمت عشبه برية
وجود أخضر هزيل
لا يقدر على كسر الشحوب الممتد
اشرأبت بعنقها
أجرت مسحا للمكان
و بداخلها نما كنتوء
السؤال الذي ستدور دورة حياتها القصيرة حوله
ما الذي تقوله لي عين الشمس؟
لم تفهم أبدا لِمَ كانت تنظر إليها شرزاً!!
و لم تأخذ رغما عنها حصة يومية من الماء الشحيح الذي بحوزتها
لم تفهم أبدا تناقضاتها
كيف أنها بهيجة و كريمة حينما تقبل
حزينة و تشبه من يعتذر عندما تغادر
قررت أن تبدأ رحلة البحث عن إجابة
سألت السيارات المارقة كسهم
لم تتوقف إحداها لتجيب
سألت القمر الوديع
لم يجب
كان مجرد قرص بليد و تابع
سألت السياج الحديدي
بلهجة جافة زجرها:
اصمتي لولا صلابتي لانصهرت
رأت الزوبعة قادمة
عقدت الأمل
هي طويلة بما يكفي
لو حملتني سيصل صوتي للشمس
مرت الزوبعة
قوة جذب مرعبة سحبتها
أغمضت عينها
خشخشة ما وصلت لمسمعها
وداعبت وجهها
في خاطرها رددت:
هي الشمس
هي الشمس
ما أن فتحت عينها ببطء
متأهبة للقاء
حتى اكتشفت
أنها مابرحت مكانها
و ما كان يخشخش
ليس سوى كيس بلاستيكي فارغ
حملته الزوبعة ليجاورها
و يحجب عنها نظرات الشمس

كوابيس

2-


حلمتُ بأننّا في حرب..
كنت أحتمي مع عائلتي الكبيرة في ملجأ..
والقصف يدوّي بالخارج..
كان الملجأ عبارة عن ساحة فسيحة تحت الأرض لمول تجاري كبير و متهدّم
كنت أرى في آخر الساحة سلالم كهربائية مطمورة برماد الإسمنت المختلط بالنفايات , و الأوراق, وكمية من الأعضاء البشرية المبتورة..
وفي داخل الملجأ كانت هناك معركة أخرى لكنها بدائيّة تدار بالسيوف..
كان الجو خانقاً بالداخل , وتحت الضياء الأبيض الضعيف يتهادى ضباب أسمنتي كثيف, تلتمع فيه أنصال السيوف التي يحارب بها أشباح غير مرئيين..
شعرت بأن هذه السيوف متجهة ضدي , وكنت متأهبة لأن يغمد أحدها في صدري..
كنت أراني معلقة في الهواء , والمعركة تدار من حولي , وجلجلة السلاح تصطك في أذني..
ثمّ لوهلة سادت لحظة صمت بدت كأنها أبدية ..
عُقدت فيها هدنة أو صلح..
لحظة تشبه لحظة الصمت التي يلج فيها النهار في الليل..
تشبه السكون الذي يتبع شهقة امرأة دفعت للتو طفلاً للحياة..
تشبه رغوة الصمت التي تتجمع فوق بحر الضجيج الذي يحدثه الرتم الواحد لتجمع أناس في مكان واحد..
بعدها..
نظرت أسفل مني,
فرأيت السيوف ملقاة على الأرض وقد تكسرت رؤوس أنصالها ..
و جاءتني من بعيد أصوات ضخمها الصدى لأطفال يلعبون بالكرة..


و أحاديث نسوة كنّ يرفعن أطراف عباءاتهن وهنّ مجتمعات حول بقعة كَارَتْ فيها المياه..
أغمضت عيني , و تطعّمت الملمس البارد للسلام , وذوبته في فمي , و تركته ينتشر بسكينة داخل جسدي ..
ثم فتحتها ببطءً و أنا لا أزال أتهادى في الهواء..
ورأيت عبر شق كبير أحدثته شظية لا زالت تدخّن في الأرض, قطعة السماء في أول الفجر..
أرجوانية تتخللها سحب كثيفة مشتعلة أطرافها بالشمس..
وكانت تتفتت في رذاذ خفيف يسقط على الأرض..

كوابيس .

(1)

حلمتُ بحافلة كانت عائدة من بلاد الشام...
كان ركّاب الحافلة أرواحاً, كينونات هلامية , لكنّها مع هذا محتفظة بشيء من ماديتها البشرية..
كانوا كما لو أنّهم أشخاص معلقين, ليسوا داخل العالم و ليسوا خارجه كذلك..
خارج الحافلة , كان المنظر يرتجف تحت قيظ الشمس اللاهبة..
داخلها , كان الهواء ثقيلاً و خانقاً..
حتى أنّ خيطاً من الضوء بالكاد يمكنه اختراق بوخ النفس المكتوم الخارج من رئات لأجساد لا مرئية , أجساد تعود لأعراق متنوعة , عرفت هذا من الزخم الكثيف للرائحة الحادة و المعقّدة الصادرة عن ذواتهم ..
كنت قادرة على تمييز بعض من الركاب , دون أن أعرف آليتي في ذلك..
ميّزت أخي الأصغر , عمي وحفيده , صديقة قديمة من زمن الطفولة , إضافة لآخرين شعرت بصلة غامضة تربطني , أو ربطتني بهم...
وجودي أنا أيضاً كان مشوّشاً, كنت كمشاهدة من خلف شاشة , لكنني متورطة بدوري في أحداث ما أشاهده...
في رحلتها الأبدية تعرّضت الحافلة لحادث مروع , و يبدو أنه لم ينج أحد منه..
لكن كان هناك منطقاً غريباً يحكم قانون الحياة و الموت فيه..
حيث أنّ من نجوا هم الذين كانت لديهم نسخ احتياط من ذواتهم خارج الحافلة..
لكن بشأن نسخ الحافلة, فهي شيء قد تلف تماما..

أذكر أيضاً أنني كنت في الجهة الأخرى ممن كانوا ينتظرون بلهفة وصول الحافلة..
وفرحت لما عرفت أن أخي لم يصب بأذى..
لكنه أوصل لي كرتون يخصني..
كرتون يحمل أشلائي..
كرتون فيه دماء وذباب , وكيس نايلون أسود و جسد معجون بلا هوية..

نكايتي لصداع الظهيرة:

هذا الرجل المجنون , يأتي كل يوم و يفرد خريطته, و يواصل الحفر بمعوله, من أوهمه أن هناك كنز ما في رأسي؟
طريقتي في التعامل معهإغراقه بكوبي قهوة ,وفي كل مرة يلملم عدته ويذهب متوعدا أنه سيأتي أقوى في الغد.

0


نقطة الصفر!
هل هناك واحدة حقا؟!
و أين نفرغ قبلها؟
هل ندلف إليها عبر اطار يشبه ذلك الموجود على بوابات التفتيش بالمطارات
و لم سيصدر طنينه حينما نعبر ؟
لكلمة؟
ذكرى؟
حلم ثقيل؟
(يمرر, برسم إضافي)
حلم تالف؟
لو كانت هناك واحدة!
سأتخيلها كمزحة ثقيلة
تدخل إليها برأس متدلى و ملآن
و بمجرد تفريغك
تٌلصق على شفتيك ابتسامة فارغة و بلهاء
و يتمايل رأسك بخفة كبالون
ثم عند بوابة الخروج
ستفزع لمرأى الدم و أزواج الأعين المبعثرة على الرصيف
و لن يمهلك الوقت لتدرك صرخة التحذير:
انتبه شكة دبوس .

تجلي .


من وقتها , أنفقت الكثير , لتبقى صورته لامعة
لأجل ماذا كانت تفعل ذلك؟
لخاطر السمعة و البرستيج؟ ,
لكنها تعلم يقيناً أن لا أهمية لكليهما,
ربما القليل من الأهمية كانت موجودة ,
ذلك النصيب الطبيعي الذي نحصل عليه من القرابات و الصلات , الوظيفة , و المال , لكنها لم تكن تتجاوز ذلك بالتأكيد.
لم أجهدت نفسها لتظل الصورة بهيّة؟
لأجل ماذا كانت هذه العناية المنهكة , و الحرص الذي ربته حتى نمى و تعرّش و صار هوسا يأكلها؟
لأجلها؟
أم لأجله؟ لأجل أنه كان الصورة الواقعية الوحيدة التي قاربت مثالها ؟
لكن ذلك كان منذ وقت طويل
و الوقت الطويل ينخر بسوسه كل شيء
لِمَ لم يطاله الشق الذي أسقط الكثير من الصور قبله عن حائطها؟
على ناصية هذا الجبين عقدت الكثير من الآمال,
على هذه الابتسامة المائلة قليلاً لليسار
و اللمعة التي تنم عن الذكاء في نظرته ,
و النقرة الخفيفة في الذقن , راكمت الكثير من الأوهام.
على هذه الصورة كانت مستعدة لانفاق المزيد , كي لا يذهب ما صُرِف سدى.
لكن بعيداً هناك ,
أبعد من جوف بطنها ,
أبعد بكثير ,
حيث لا يصل الضوء ,
كانت تحتفظ بانعكاسات صوره السيئة ,
على هذه السطوح الحساسة للضوء , كان له أرشيفه الخاص ,
أرشيفه الذي إن استطاعت تجاهله,ما استطاعت إلغائه,

الصور التي لم تُظهّر بعد كانت محفوظة و جاهزة للفتك بكل ما تحاول أن تبقي عليه ,
تعرف أنّ أمامها القليل فقط لتقاوم ,
و تنز هذه المعرفة من مسام روحها ,
و ترشح على السطح و تلفها ببرودة موجعة,
القليل فقط كي تكف عن إشاحة النظر,
وتعترف لنفسها –كبداية- أن ما تعتقده لمعة ذكاء
تخصه هو مجرد تأثير ضوئي طارئ.

ما الجدوى ؟


الجدوى:
في الحياة:
متسولة بشعة
بعيون جاحظة,
و جسد هزيل
تتدلى منه أثدائها
كجوارب بالية

في الإقتصاد:
ولد سمين,
بزوائد هائلة
يمسك بيده شوكة وبالأخرى سكينا
و يتململ في كرسيه,
بانتظار الطلب.

فــراغ .

أخرجت الصورة من الألبوم
التاريخ المدوّن خلف الصورة,عيد الفطر 1406هـ

في كادرها,تظهر أمها,واقفة بجلابية كحلية واسعة , موشاة بنقوش ذهبية, و على مبعدة خطوتين (خطوتين بالنسبة للمكان , سنتمترين بالنسبة للصورة, ومسافة لا تقدّر بين عالمين بالنسبة للآن) يجلس ابوها على كرسي بمسندين, وفي حضنه تجلس هي وشقيقتها التي تصغرها بعامين, نظرتها مستقيمة للأمام , بينما أختها ترفع رأسها بشغب لتداعب ذقن أبيها.
خمّنت مالذي تقوله نظراتهم في الصورة, مالذي كان يدور برؤوسهم؟
أمها , مبتهجة بأنه قد أصبح لديها عائلة , عائلة تأخذ صوراً للأعياد , وتسجّل في ظهرها التواريخ بخط مزهو و رشيق, عيد الفطر 1405هـ , عيد الأضحى 1404هـ , عيد الميلاد الأول لـ(..) 16/6/1402هـ, اللحظة التي تقف فيها عائلتها لتأخذ صورة , لحظة آمنة و مبتهجة ,لحظة قصت من على أطرافها الأسئلة السخيفة : متى سأنجب الصبي ؟ متى سننتقل لسكننا الخاص؟ ... , لحظة تنظر فيها لعدسة الكاميرا , وتباهي بعائلتها و تغتبط.
) لحظة تمد فيها يدها لفم الزمن , و تخرج ورقتها من بين أسنانه , الورقة تم علكها , مجعدة , لكنها تفردها و تمسدها , و تطمأن بأنها لم تتلف, في العيد المقبل حينما تمد يدها لفمه, سيبتلعها الزمن , في العيد المقبل لن تظهر في الصورة(



والدها , سيفكر بأنه رجل أنيق , و يسأل هل يظهر الحنان في الصور؟
هي, تفكّر متى سنذهب للعيد؟ ( هل العيد بيت ؟ رجل نصافحه؟ , ماشكله ياترى؟ بالتأكيد هو شيء مجسم بالنسبة لطفلة الخامسة)
اختها, ؟؟؟

تتناول الصورة , تنظر إليها , تنفخ عنها الغبار , و تسقط وقفة أمها , يفتت الهواء أمها إلى ذرات تطير بعيدا.
تقلب الصورة و تنظر للفراغ بشكل قوام أمها الراحلة
الفراغ بطول 7سم في الصورة , بطول 167 سم كما يقول أبوها
167سم قابلة للزيادة
الزيادة التي تسمح للأشباح للعبور من قصص جدتها لتحت لحافها قبل أن تنام , الزيادة التي تسمح لسؤال ضخم وحائر أن يعبر حينما ترى قطرات الدم في ألبستها الداخلية , الزيادة التي تسمح بدخول الأشياء المؤذية , الزيادة المرنة الطيّعة القابلة للتمدد حسبما يقتضي الأمر


.
.

تشـويش .

.
.
بصورة من الصور كان هذا هو صفائها , تشويش ذهن غير متعمّد.لتنتقل من حالة الوضوح (حيث كدرها) , كان يستلزم أن يعبر شيء ما مجال رؤيتها, شيء ما سريع كطير يلقف خيط بصرها و يشيح بنظرها بعيداً , أو مباغت كقفزة قطة, شيء يشغل يقظتها بعيداً عن وجهتها, ربما كان طيرها كلمة في لافتة أو إعلان (للرخام والسراميك /أصص زرع/لدينا كتب مستعملة)أو رائحة مجهولة المصدر (كيك يخبز بالفرن,دخان سيجارة) ,أو صورة عابرة (كرة تم ركلها في الهواء,انعكاس النار على ستيل الطنجرة), ربما كان صوتاً يقفز لسمعها (لحن أغنية ينبعث من شقة الجيران, صوت سيارة مسرعة تقطع سكون الليل) , يقفز الصوت للداخل وتعبث قطته بين الأرفف, تخربش على الأوراق المرزومة( حيث تمّ تدوين كل شيء), تسقط رزمة منها على الأرض,مخلّفة صوت ارتطام مكتوم ,تتناثر أوراقها في فوضى , تعلو الفوضى ورقة عتيقة مصفرة الحواف لذكرى شاحبة, مضاءة بشمس العصر العسلية,من يوم جمعة قديـم, للذكرى رائحة البخور الممزوج بالمستكة,البصمة الخاصة بمنزل جدتها حيث تركتها أمها تنام هناك بعد سهرة الخميس الأسبوعية,هاهي قابعة هناك خلف نافذة الروشان ,طفلة بجديلتين تراقب صخب سوق الحمام الذي يقام أسبوعياً في الباحة الكبيرة, أقفاص بأحجام متفاوتة مكدّسة بصورة عشوائية , طيور من كل شكل و لون, صوص أصفر في علب كرتون مكشوفة , أصوات الطيور تتداخل مع نداءات الباعة,و تجمهر كثيف هناك حول رجل يلوّح بصقر أشقر, الذكرى القديمة تكبر و تكبر , وتحتل المشهد ,يحلّق طير ويرتفع متجاوزاً في جرأة إطار المشهد ,يتبعه طير آخر , فآخر,ثمّ تتابع بقية الطيور, هاربة بشكل جماعي من أقفاصها ,تصطفق أجنحتها المرفرفة وتغطي وجه المدى ,تحلق عالياً و بعيداً و تصبح أصغر فأصغر , تخفت الجلبة وتغيب, ولا يبقى منها سوى صدى مضخّم لرفرفة جناح بينما الريش يتهادى في ضباب من الغبار .

الخطوة المستحيلة إلى الخلف


الخطوة التي ما إن تُخطى
حتى يحال بينها و بين القدم بحاجز أبديّ
قد يطبق الحاجز مدويّـاً كالطلقة من مسدس منتحر
أو قد يغلق ولا تكاد تسمع منه إلا التكة التي يكاد يسمعها المزارع و هو ينزع عنقود العنب عن كرمته
.
.

الحاجز الذي لا يمكن مفاوضته لإسترجاع ما يبتلعه
-ما يأخذه يمتلكه للأبد
ما يأخذه لا مسترد له-
لا الكلمة التي نطقتها
ولا الجهل الذي استبدلته بالمعرفة
ولا الضحكة الصافية من طفولتك
و لا الطلاء الأزرق لباب بيتكم القديم
ولا ملامح جدتك
يقف بصرامة و يفصلك عما انقضى
طريقته في إبداء التعاطف
هي أن يشّف عمّا خلفه لتراه
:لكن مع يافطة كبيرة مكتوب عليها
لا مساس
لا مساس

خشيــة .


ما أخشاه
ليس السقوط الحاد و السريع
كمنتحر من شرفة في الدور التاسع
ما أخشاه
هو أن أسقط بخفة و بطء
كريشة تتهادى في الهواء
دون أن يكون هناك
ما يهيئني للارتطام
أخشى كل ما يحدث ببطء
الشق في الجدار
التجاعيد في الوجه
الذبول في الشجر
للبطء سطوته
غالباًً ما يكون العنصر الكفيل بإنجاز المهمة
عبقريته في بساطته
يكفيه أن يعلّم هدفه بدائرة حمراء
ثم ينطلق نحوه بدأب و صمت
يقظ
يتحيّن لغفواتك و انشغالاتك
ثم ينسل عبر الشقوق
ومن تحت الأبواب
حريص على أن تعتاده دون أن تلحظه
يعي خطورة الألفة
فيسخرّها لغايته
يزحف تحت قدميك
و يستهلكك على مهل
حتى إذا ما انتبهت
وحاولت التصدي له
تفاجأ أنّ ما تبقى من طاقتك
لا يكفي حتى للوقوف على قدمين

نقطة سوداء .

يروقني الفشل أحياناً..
الفشل النهائي ..لإنه بصورة من الصور ,يتيح لك المجال , لتغير وجهتك
وتترك الكيس المملوء بعلامات الترقيم( فاصلة , علامة استفهام , علامة تنصيص, نقطة ..)
على مقعد المحطة, بجوار جمل طويلة و بائسة و غير مكتملة
أما النجاح في المقابل
هو أن تظل تحمل نقطة آخر السطر على ظهرك , و تجرجرها وراءك , حتى يهدكما التعب.

..

يستهلك نفسه:
التكرار في صيغته المذمومة.

المسمار:
طرفه الحاد,
والذي يتولى النصيب الشاق من عمله,
مغمور خلف الجدار.

مشاكل العائلة:
شبكة صيد كبيرة , بفتحات ضّيقة
تنصبُ شراكها عميقاً,
وفي كل مرة يتمّ رفعها,
تُفاجأ بما قد علق بين الشباك.
.

الصرخة:
مغارة ثلجية
أفكّر في الصوت, إلى أين يذهب؟
أفكر في الصوت , لو أنّه يبقى؟
لو أنّه لا يجيد الإنصراف,ويتسمّر مكانه.
أفكّر بأنّ ما سيلزمنا وقتها,
مطارق و جهد دَؤُوب ,
لنعبر من خلاله خطوة.

تمتمة

تمتمة


أخبرتني وهي تدافع دمعة, تكاد تفرّ من عينها:
طاقة احتمالي باتت ضيّقة.نظرت إليها ,و في خلفية كدرها, رأيت احتمالها , هذا الذي كان براحاً شاسعاً لسنين خلت, مازال براحاً شاسعاً حتى اليوم.إلا أنه صار أرضاً خربة, أشياء لا حصر لها تكدست خلفها و تراكمت كجبل, (الكلمات التي ابتلعتها , لو تمعّنت جيداً لرأيتها, إنّها تلك المقصات الصدئة , و الستارة المسخمة الممزقة العالقة هناك نميمة النسوة حولها ,الكرسي المكسور وفاة أبيها, القناني الفارغة صبرها النافد,...)جبل الركام خلفها يكاد يهوي عليهاوهي تقف محاطة بغلالة غمها, غير شاعرة بوجوده , ليس هناك متسع إلا لموضع قدميها.
و أنا أتمتم
,سيهوي عليها ,
سيهوي عليها.

عشت لأروي



"سيرة قميص"


بُنَيَّ..
أُطمئنك , أنا الآن على ما يرام..
لولا شعور السأم الذي يغمرني بترف..
لا تقلق..
مجرد شعور طبيعي يراود من هم في سني .. ربما غير الطبيعي هو سني بحد ذاته .

لم يعد هناك ما أنتظره ..
وكل ما تبقى لي حَفْنَة أمنيات , أنفقها ببذخ في تخيّل صيغة مشرّفة لموتي ..
حسنا.. دعني أسلي خاطرك بواحدة ..
(شريطة ألاَّ تسخر)

.

.

كثيراً ما يراودني حلم نوراني تُحرق فيه جثتي بلا طقوس ويذر رمادها فوق مصنع للنسيج على أطراف قرية غافية..
هناك , حيث تحديداً أتيت من رحم نول بعرض ثمانين سنتيمتراً تغزل عليه سيدة أربعينية تنصهر حزناً على زوجها الشهيد في الحرب..
( ربما يفسر ذلك بعض نوبات الكآبة التي تجتاحني بلا سبب )

بالمناسبة , محسوبك أمضى شطر حياته راضخا لوهم أن أصوله تعود إلى رالف لورين.
(عائلة ارستقراطية مؤكد قد سمعت بها من قبل )

للأمانة لم يكن هناك ما يدحض أوهامي اِبتداءً من التيكت المثبت بإتقان على الياقة واِنتهاءً بشعور التفرد الذي يحل بي وسط أقراني..
كنت متأهباً تماماً للحصول على كافة امتيازات النسب , حتى باغتني أحدهم ذات ثرثرة بأننا صناعة محلية و أن الأمر لا يعدو عن كونه مسألة احتيال تجاري..
لا أخفيك بأن المفاجأة قصفت مخزوني من الطموح إلى النصف ..

كل ما كان يتعلق بفكرة فردوس أرضي "خزانة بإضاءة داخلية / تجفيف بالبخار / علاقات قطن " ذهب أدراج الرياح..
و بجردة بسيطة يتضح أنه لم يتبق لي سوى القليل جداً من شؤون الرفاهية كـ كمفورت و مريتو وخلافه..

في فترات لاحقة .. و تحت الضغط النفسي الهائل جَرَّاء الصدمة , أقدمت على محاولات انتحارية عديدة باءت كلها بالفشل كون الجانب التكتيكي فيها ضعيف جداً و متكئ على خيال ضحل بهذا الخصوص..

على سبيل المثال تعمدت في إحدى المرات إسقاط الأزرار الرابع المقابل لمنطقة السرة تماماً, بزعمي أن من يرتديني له كرش مدوّرة ولا يمكنه تلافي عيب شاخص هكذا , دون أن أضع في حسابي الأزرار الاحتياطي الموجود على التيكت الداخلي ..
أعي الآن أنها مجرد محاولة رديئة للتعبير عن غريزة حب الحياة, إضافة لكونها المحاولة الأكثر غباء على الإطلاق في إطار لفت الانتباه..

.

بانصرام هذه المرحلة كنت قد تجاوزت النقطة الحرجة في منحنى حياتي..
هذا إذا استثنينا بالطبع حادثة السبت الأسود ,الذي أوشكت فيه أن أحال للتقاعد في سن أبكر بكثير من المتوقع..
ونجوت بأعجوبة من أحقاد مكواة خرفه , وخرجت بوحمة لا تكاد تذكر
لست بصدد إخبار أنني من يومها بدأت أداوم مسائي ,وتم نقلي نهائيا من قسم التعليق إلى قسم التطبيق
( ما يعادل الأرشيف بلغة مكتبية ).

.
لا شك في أنني بدأت أثير حفيظتك..
يفترض بي أن أكون أكثر لباقة كونك في مقتبل حياتك المهنية ..
هيا سأشرع في استحضار تفاصيل مبهجة كي أخفف حدة حنقك تجاهي ..
اللحظات الأكثر حميمية لي كقميص كانت تأتي عبر سلة الغسيل ..
قد تخالفني الرأي وتعتبر حبل الغسيل الأفضل كما هو مشاع

(بالمناسبة أتمنى أن تقضي حياتك بعيدا عن براثن منشر غسيل داخلي كل ما يجلبه صداع مزمن , ورفقة مزعجة لمروحة تدور بصخب)

لن نختلف

لكن لدي أسبابي الوجيهة _كما أعتقد _
خذ مثلا , سلة الغسيل هي المكان الوحيد الذي يمكنك أن تجتمع فيه مع شتى الطبقات والأعراق دون أي تفريق عنصري..
أعرف هذا كوني أبيض و أتعرض في كل عملية غسيل إلى عملية فصل حازمة لا يقبل فيها لأي ملوّن الدخول إلى معسكرنا..
هذا الإجراء متبع في مرحلة النشر كذلك..

أيضا في سلة الغسيل أنت على موعد مع احتفال صاخب بعد أن تكون قد قضيت وقتاً رتيبا طوال اليوم..
ربما قد تكون قذر بشكل مزري لكن لا يهم طالما أن الجميع كذلك..
ثم أنك تكون حقيقي جدا في تلك اللحظة..
في سلة الغسيل تعرفت إلى أكثر أصدقائي وفاءً..
بنطال أسود مقلم كان يعاني عقدة نقص كونه طراز منقرض مازال على رأس العمل.. لكنه كان يملك أنصع قلب على الإطلاق ..
قميص كارو يتمتع بحكمة هائلة و يبدو بمثابة الأب الروحي للجميع..
جاكيت جينز يحظى بشعبية هائلة كونه قادر على أن يجعلنا نكركر في أشد أوقاتنا حلكة..
و بالطبع لا أنسى سيدة الحضور الأنثوي البلوزة الزهرية التي كانت تأتي دائماً مجللة بعطر باذخ كافي لأن يثير مخيلة أكثرنا بلادة ..

بالرغم من ذلك كان طابع البراءة يطغى على محافلنا بتأثير من ملائكية بيجامات لطفل رضيع ( ربما هو الآن في طور الدخول للمدرسة ).

.

أجزم أنك الآن بصدد تغيير رأيك..
بقي أن أخبرك شيئاً..
أنا الآن مجرد خرقة تقطن الدرج الأخير من مطبخ..برفقة قطع أخرى جار عليها الزمن ..
فانيلة علاقي , قطعة من إحرام , منشفة ..نزاول مهن لا تخطر لك على بال..
مع ذلك أنا مستعد تماما لأن أبصم لك كل صباح بأن الحيـاة حلـوة
وجديرة بأن تُعـاش .



( وجدت الرسالة في جيب قميص أبيض وجديد )
 

Web Counter
Open GL Graphics